12 - 05 - 2025

وجهة نظري| كوميديان بدرجة رئيس

وجهة نظري| كوميديان بدرجة رئيس

أحيانا يفوق الواقع فى غرابته جنوح الخيال، وكثيرا ما تتحول شطحات الخيال إلى نبوءة، نعيشها واقعا بعدما كانت عقولنا تأبى تصديقها أو تتعامل معها بخفة أو تراها دربا من المستحيل.. يبدو أن خيال الكاتب المسرحى فاروق صبرى ينتمى لهذا النوع من الخيال، فى مسرحيته الشهيرة "الزعيم" التى عرضت على المسرح لعدة سنوات، وحققت صدى واسعا أوائل التسعينيات، وكانت البطولة فيها للفنان عادل إمام الذى كافأه جمهوره أو بالأدق محبوه على نجاحه فتوجوا إسمه ليحمل إسم المسرحية الأشهر.

لاأعرف بالتحديد الدافع الذى جعل كاتب المسرحية يجنح للخيال، لكن الأرجح أنه فعل ذلك فى محاولة للهروب من قيود رقابية، ربما كانت تتعنت وتمنع فكرته من الوصول للجمهور، آثر صبرى التحليق فى عالم الخيال ليطرح بحرية فكرته المجسدة لمعاناة الشعب عندما تقيد حريته ويقع تحت قبضة حكم ديكتاتورى تحركه قوى من أصحاب المصالح والنفوذ، خشيت - بعدما رحل زعيمها المريونيت - على ضياع هيبتها ونفوذها، فوجدت فى ممثل كومبارس يشبهه ضالتها.. بعد ترهيب وترغيب حملته، دون رغبة منه، على أن يحل محل الزعيم.. لم يدر بخلد أحدهم أن ذلك الممثل المهمش الساذج البسيط "زينهم" يمكن أن يكشف فسادهم ومؤامراتهم وألاعيبهم ليتمكن فى النهاية من إزاحتهم من سدة الحكم.

بعد أكثر من عقدين من مسرحيته الساخرة، تتحول النبوءة لواقع.. اختلافات بسيطة فقط هى ماميزت الزعيم عن الواقع، فالمسرحية التى وقعت أحداثها المتخيلة فى بلد عربى لم يسمه المؤلف لأسباب معروفة بالطبع، أما الزعيم الحقيقى فبطلها يعيش فى أوكرانيا، هو أيضا ممثل كبطل المسرحية المصرية، لكنه ممثل كوميدى وليس كومبارس.

الزعيم الحقيقى أوكرانى يحمل اسم فولوديمير زلنسكى تجاوز سنه الأربعون بعام .. لايمتلك مثل زينهم زعيمنا أية خبرة سياسية، ومع ذلك نجح فى تحقيق نتائج مدهشة فى الإنتخابات الأوكرانية الأولية .. حيث إحتل الصدراة فيها بنسبة 30% بينما حصل الرئيس الحالى بترو  بورشنكو على 16% فقط، وحصلت رئيسة الوزراء السابقة يوليا تموشنكو على 13% مما دعاها للتشكك فى نزاهة الإنتخابات والاعتراض عليها.

الصدمة بالطبع كانت أقوى على الرئيس الأوكرانى الذى بدا غير مبتهج، واعتبر النتائج درسا قاسيا، خاصة وأن الفارق بينه وبين منافسه صعب تقليصه. 

أما زلنسكى الزعيم الأوكرانى الذى لاتختلف دوافعه كثيرا عن زينهم المصري، فأراد بترشحه أن يواجه القوى الحاكمة بسياستها التقليدية التى تسببت فى واقع وظروف اقتصادية صعبة.

 لايبدو الطريق ممهدا بالطبع أمام زلنسكى، ربما يفشل فى تحقيق حلمه كما يتوقع معارضوه، وربما ينجح فيكتب واقعا جديدا.. يحلق بخيالنا مثلما فعل بطل مسرحية الزعيم المصرية، فنرى ذلك الممثل الكوميدى ينجح فى النهوض ببلاده وينتشلها من عثرتها ويقفز باقتصادها، ويضرب بقوة على أصحاب النفوذ وقوى الفساد، ويتحول لأيقونة ما تلبث أن تحرك أمثاله من الممثلين الكوميدين ليحتلوا قيادة العالم، فيرسموا واقعا جديدا لا مكان فيه لجنون الحروب وقسوة المجازر وبشاعة الدماء ومآسى الارواح التى تزهق بدم بارد.عالم لامكان فيه سوى للبهجة والضحك والراحة.. يتجاوز الآلام بابتسامة، ويداوى الجروح بالحنو، ويتصدى للمصاعب والأزمات بروح وثابة ساخرة قادرة على الترفع والسمو والإرتقاء. روح مبدعة جسور قادرة على التحدى فى الوقت الذى لاتتخلى فيه عن إنسانيتها وآدميتها.

من حقنا أن نحلم ونشطط فى أحلامنا، فمازالت الأحلام ممكنة، ومازال الواقع قادرا على إبهارنا ومفاجأتنا بما كنا نعتبره يوما مستحيلا.. إحلموا تصحوا.
------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه